Page 99 - web
P. 99

‫‪439‬‬                                                                                                          ‫قليلـة‪ ،‬عـن قطـع التواصـل الافرتاضي في مجمـوع‬
                                                                                                             ‫دول العالم‪ ،‬وأحدث ر ّجة قوية أعادت إلى واجهة‬
     ‫المرتبطـة بالتكنولوجيـات الحديثـة للإعالم‬            ‫للتهديدات السيبرانية‪ ،‬وذلك عبر تطبيق سياسات‬        ‫الأحـداث النقـاش حـول إشـكالية الاعتمـاد عىل‬
     ‫والاتصـال‪ .‬ورغـم الاختالف في الأبعـاد والمدلـول إلا‬  ‫دعـم عملياتيـة لمواجهـة هـذا التهديـد الاسرتاتيجي‬  ‫منظومـة التواصـل الاجتماعـي كقنـاة وحيـدة للربـط‬
     ‫أن السـمة المشرتكة بني هـذه المصطلحـات تبقـى‬         ‫المعاصـر‪ ،‬الـذي تتجـاوز مخاطـره تلـك الناشـئة عـن‬  ‫بين العالم‪ ،‬وتقديم خدمات تواصلية بكلفة تناهز‬
     ‫هـي تواتـر اسـتخدامها بشـكل اعتباطـي‪ ،‬وفي أغلـب‬
     ‫الأحيـان‪ ،‬بـدون تأطري عميل دقيـق وبـدون ضوابـط‬                 ‫التهديـدات في أبعادهـا الكلاسـيكية‪ .‬‬                              ‫مليـارات الـدولارات‪ .‬‬
                                                           ‫«الأمن السيبراني»‪ ..‬تأصيل المفهوم والدلالات؟‬      ‫أمـا فيمـا يتعلـق بالأهـداف والمخاطـر المحتملـة‪،‬‬
                   ‫مفاهيميـة وأكاديميـة واضحـة‪.‬‬           ‫غال ًبـا مـا تسـتخدم مصطلحـات مـن قبيـل «الأمـن‬    ‫فالهجمـات الإلكترونيـة يمكنهـا أن تسـتهدف‬
     ‫ويعترب «الأمـن السـيبراني»‪Cyber-« ‬‬                   ‫السـيبراني» أو «الجريمـة الإلكترونيـة» أو حتـى‬     ‫الأفـراد أو الأشـخاص الطبيعيني بغـرض الوصـول‬
     ‫‪ »Security‬مصطل ًحـا مسـتج ًدا عىل السـاحة‬            ‫«الدفـاع الإلكرتوني» للدلالـة عىل الجهـد الرسـمي‬   ‫بشـكل غري مشـروع لبياناتهـم الشـخصية وإسـاءة‬
     ‫الدوليـة‪ ،‬وهـو يتكـون لغويـا مـن مدخـل «‪»Cyber‬‬       ‫العمومـي المبـذول لمكافحـة الجرائـم والاعتـداءات‬   ‫اسـتغلالها لأغـراض مشـوبة بعـدم الشـرعية‪ ،‬كمـا‬
     ‫وكلمـة «‪ .»Security‬تشري الأولى «‪ »Cyber‬إلى‬                                                              ‫يمكـن لهـذه الهجمـات أن تعمـد لاخرتاق المنظمـات‬
     ‫علـم التحكـم الآلي‪ ،‬وهـو علـم متعـدد التخصصـات‬        ‫أبسط هجوم سيبراني‬                                 ‫والأشـخاص المعنويني كالشـركات أو المؤسسـات‬
     ‫يجمـع المبـادئ التـي تحكـم العلاقـة القائمـة بني‬        ‫يعرض مصالح الدول‬                                ‫العامـة والخاصـة‪ ،‬لتصـل أحيا ًنـا إلى مسـتويات‬
     ‫الكائنـات الحيـة والآلات‪ ،‬فيمـا يتـم تفسري هـذا‬          ‫والمنظمات للخطر‬                                ‫اسرتاتيجية تسـتهدف الإضـرار بمنظومـات الدفـاع‬
     ‫العلـم في سـياقنا المعاصـر عىل أنـه وسـيلة لتنظيـم‬          ‫الداهم والشديد‬                              ‫الوطنـي والأمـن القومـي والمصالـح الاقتصاديـة‬
     ‫التبـادلات الآليـة لجعلهـا فعالـة وناجعـة‪ ،‬مـع‬
     ‫دفـع وتطويـر وسـائل السـيطرة عليهـا إلى أقىص‬         ‫ويلحق بها أضرارا كبيرة‬                                                          ‫العليـا للـدول‪.‬‬
     ‫حـدود الكمـال والمردوديـة‪ .‬وبالرجـوع إلى التاريـخ‬           ‫بصورتها وبالثقة‬                             ‫أمـا بخصـوص الأسـاليب الإجراميـة والوسـائل‬
     ‫القريـب‪ ،‬وتحديـ ًدا إلى سـنة ‪ ،1948‬نجـد أن عالـم‬           ‫الموضوعة فيها‬                                ‫التقنيـة المسـتعملة لأغـراض ارتـكاب هـذه الهجمـات‬
     ‫الرياضيـات الأمرييك «نوربـرت وينر»‪ ،‬الـذي يعـرف‬                                                         ‫السيبرانية‪ ،‬فهي تختلف باختلاف طبيعة ومستوى‬
     ‫بـالأب المؤسـس لعلـم التحكـم الآلي‪ ،‬يعـ ّرف هـذا‬                                                        ‫الأهـداف المحـددة‪ .‬فهـي قـد تنطلـق مـن مجـرد‬
     ‫العلـم بأنـه «اختصـاص يـدرس الاتصـالات وأنظمتهـا‬                                                        ‫عمليـة اخرتاق بدائيـة تسـتخدم برمجيـات مفتوحـة‬
     ‫في الأنظمـة الطبيعيـة والاصطناعيـة»‪ .‬وبعـد بضـع‬                                                         ‫للعمـوم ومتوفـرة عىل الشـبكة العنكبوتيـة‪ ،‬لتصـل‬
                                                                                                             ‫إلى حـد تنظيـم هجمـات منظمـة وعاليـة الدقـة‬
                                                                                                             ‫باسـتعمال منظومـات معقـدة ومكلفـة‪ ،‬تـروم‬
                                                                                                             ‫المسـاس بالبنيـة التحتيـة المعلوماتيـة والخدماتيـة‪،‬‬
                                                                                                             ‫والمسـاس بالمشـغلين ذوي الأهميـة الحيويـة‪ ،‬وكـذا‬
                                                                                                             ‫الشـركات التي تتدخل في المجالات المصنفة في خانة‬

                                                                                                                         ‫المصالـح الإسرتاتيجية والحساسـة‪.‬‬
                                                                                                             ‫ومـن هـذا المنظـور‪ ،‬يبقـى مـن الصعـب‪ ،‬إن لـم‬
                                                                                                             ‫يكـن مـن المسـتحيل في سـياقنا المعاصـر‪ ،‬تجاهـل‬
                                                                                                             ‫أو إغفـال قضايـا الأمـن السـيبراني‪ ،‬وذلـك بالنظـر‬
                                                                                                             ‫لكونهـا أصبحـت تشـكل حجـر الزاويـة في حمايـة‬
                                                                                                             ‫الفضـاء السـيبراني الـذي يسـتغله المجتمـع الرقمـي‬
                                                                                                             ‫وتنعكـس نتائجـه بشـكل مباشـر عىل المجتمـع‬
                                                                                                             ‫المـادي‪ .‬ولأهميـة هـذا الموضـوع‪ ،‬نجـد أن غالبيـة‬
                                                                                                             ‫الـدول والمنظمـات تحـاول اليـوم تقديـم إجابـات‬
                                                                                                             ‫تقنيـة وحلـول أمنيـة شـبه متكاملـة ودائمـة التطـور‬

     ‫‪97‬‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104